القيادة والإدارة- تحقيق التميز والاستقرار في المنظمات
المؤلف: سامي الدجوي10.01.2025

لقد سنحت لي فرصة ثمينة للعمل مستشارًا في إحدى المؤسسات، ومنَّ الله علينا بقائد فذٍّ يتمتع ببصيرة نافذة ورؤية مستقبلية ثاقبة، وقدرة فائقة على اتخاذ قرارات استراتيجية حصيفة ومبنية على أسس متينة من المشورة وتبادل الآراء. كان يحدوه طموح جارف بأن تكون مؤسسته رائدة وناجحة وذات تأثير بالغ، ويسعى بكل تفانٍ وإخلاص لخدمة أمته وولاة أمره ووطنه الغالي. فما كان منه إلا أن حقق رؤيته السامية وبلغ طموحه المنشود، لتتبوأ مؤسسته مكانة مرموقة بين ألمع المؤسسات وأكثرها تأثيرًا ونفوذًا في محيطها. وإذا ما افترضنا جدلًا أن هذا القائد الملهم انتقل إلى مؤسسة أخرى، فسوف تتبدى لنا صفاته القيادية الاستثنائية جلية مرة أخرى، وستنعكس إيجابًا على أداء تلك المؤسسة، وسنشهد قصة نجاح أخرى تُضاف إلى سجله الحافل بالإنجازات. انطلاقًا من هذه التجربة الغنية بالدروس والعِبر، ندرك الحقيقة التالية: أن نجاح أي مؤسسة يتوقف إلى حد بعيد على وجود قائد متميز ومُلهم يمتلك الكفاءة والقدرة على توجيه دفة الأمور بحكمة واقتدار. ولكن، مَن هو القائد الحقيقي في واقع الأمر؟
القائد، ببساطة، هو الشخص الذي يُكلَّف بتولي مسؤولية وحدة إدارية ما، سواء كانت قسمًا أو إدارة أو مؤسسة أو شركة أو هيئة أو وزارة أو غير ذلك. هذا التعريف الواسع قد يشمل أيضًا المدير، الأمر الذي يثير تساؤلًا جوهريًا: كيف يمكننا التمييز بدقة بين القائد والمدير؟ أحد الفروق الجوهرية بينهما يكمن في أسلوب التعامل مع الآخرين، والذي يشمل الطرائق والسمات الشخصية والمهاراتية التي تظهر من الفرد أثناء تفاعله مع الآخرين، ويتضمّن أسلوب التواصل، وأسلوب توجيه التعليمات أو استقبال الملاحظات، وكيفية إدارة الخلافات وتسويتها. فالقائد يتميز بمرونته في التعامل مع مرؤوسيه وتحفيزهم على الإبداع والابتكار، بينما يركز المدير بالدرجة الأولى على الصرامة في تنفيذ التعليمات، والالتزام الحرفي بالأنظمة والقوانين، والإشراف المباشر والرقابة اللصيقة على سير العمل.
لتقريب الصورة وتوضيح الفرق بينهما بشكل ملموس، دعونا نتأمل هذا المثال الواقعي: تخيل أن موظفًا تقدم بطلب إجازة لمدة عشرة أيام لظروف طارئة، كيف سيكون رد فعل كل من المدير والقائد في حال رفض الطلب؟ المدير، بحكم منصبه، يعتمد على الأنظمة واللوائح في تقييم الطلب. وقد يستخدم عبارات رسمية وجافة تشدد على ضرورة الالتزام بسير العمل وفق الخطة المعتمدة. وقد يرد باقتضاب وبلهجة آمرة قائلًا: لا يمكننا منح إجازة بهذه المدة في هذا التوقيت الحساس. أما القائد، في المقابل، فيبدأ بتقديم الشكر للموظف على تفانيه في العمل، ويُظهر تقديره لظروفه الصعبة. ثم يبادر بطرح بدائل أو حلول وسطى، مثل اقتراح فترة إجازة أقصر أو توزيع المهام على الزملاء. ثم يستخدم عبارات لطيفة تعكس الاحترام والتفهم، ويشرح أسباب الرفض إن لزم الأمر بأسلوب مهذب ومقنع. وبالعودة إلى المثال الذي استهللنا به هذا المقال، أذكر أنني تقدمت بطلب إلى ذلك القائد القدير، وغادرت مكتبه وأنا راض ومبتسم، رغم أنه لم يوافق على طلبي! فأسلوبه الراقي وقدرته على التواصل الفعال أحدثا فرقًا كبيرًا.
وهنا قد يتبادر إلى أذهان القراء الأعزاء سؤال مهم: كيف يمكننا، كأفراد، التمييز بين مَن يتعامل بأسلوب القيادة ومَن يتعامل بأسلوب الإدارة؟ الجواب بسيط: إذا لاحظت أن موظفي هذا الشخص يتعاملون معه بناءً على سلطته الرسمية فقط، وأن المحرك الأساسي لهم هو الخوف من العقاب أو التوبيخ، فهذا الشخص غالبًا ما يمارس أسلوب الإدارة التقليدية الذي يعتمد على الترهيب والتخويف. أما إذا رأيت الموظفين يبذلون جهدًا مضاعفًا ويُظهرون إخلاصًا نادرًا وولاءً عميقًا لهذا القائد ولمؤسستهم ككل، فهذا دليل قاطع على أنهم يعملون تحت قيادة قائد ملهم ومؤثر يزرع فيهم الحماس والتفاني. ودعونا نتناول مثالًا واقعيًا آخر: تعاملتُ مع عدد من أعضاء هيئة التدريس في قسم علمي بإحدى الجامعات، ولاحظتُ فيهم فتورًا واضحًا وعزوفًا عن بذل الجهد الإضافي، وقلة اكتراث بدقة وجودة الأداء. وبعد فترة وجيزة، تعاملتُ مع المجموعة نفسها من الأساتذة، ففوجئت بهم يتحلون بالنشاط والحماس والإخلاص والتفاني في العمل. وبعد البحث والتحري، تبيّن أنه كانت لديهم رئيسة قسم سابقة تعتمد أسلوب التهديد والصرامة المفرطة في تعاملاتها، بينما يعتمد الرئيس الحالي أسلوبًا قوامه الاحترام المتبادل والتفهم العميق واللطف في إدارة شؤون القسم. نلاحظ هنا أن أهداف القسم العلمي لم تتغير قيد أنملة، والأنظمة الإدارية بقيت على حالها دون تعديل، بل وحتى الأشخاص أنفسهم لم يتبدلوا، لكن الذي تغيّر فقط هو مديرهم وقائدهم.
أخيرًا، هناك نقطة بالغة الأهمية أود توضيحها وتأكيدها: لا أدعي البتة أن أسلوب القيادة أفضل مطلقًا من أسلوب الإدارة أو العكس؛ ولا أدعو إلى الاعتماد على أسلوب واحد لإدارة الوحدة الإدارية بشكل دائم، بل أرى أن الموظفين يحتاجون إلى كلا الأسلوبين معًا، فهم بحاجة إلى الإدارة المحكمة لضبط العمل وتنظيمه وتحديد مساراته، وإلى القيادة الرشيدة لتحفيزهم وإلهامهم وشحذ هممهم. فكلاهما يكمل الآخر، وكلاهما ضروري لتحقيق الأهداف المنشودة للمؤسسة. فالقيادة هي التي تصنع التميز والريادة، والإدارة هي التي تحافظ على الاستقرار والانتظام. فلنعمل معًا لكي نتمكن من تحقيق رؤية وطن طموحة وبناء مستقبل زاهر ومزدهر للأجيال القادمة.
القائد، ببساطة، هو الشخص الذي يُكلَّف بتولي مسؤولية وحدة إدارية ما، سواء كانت قسمًا أو إدارة أو مؤسسة أو شركة أو هيئة أو وزارة أو غير ذلك. هذا التعريف الواسع قد يشمل أيضًا المدير، الأمر الذي يثير تساؤلًا جوهريًا: كيف يمكننا التمييز بدقة بين القائد والمدير؟ أحد الفروق الجوهرية بينهما يكمن في أسلوب التعامل مع الآخرين، والذي يشمل الطرائق والسمات الشخصية والمهاراتية التي تظهر من الفرد أثناء تفاعله مع الآخرين، ويتضمّن أسلوب التواصل، وأسلوب توجيه التعليمات أو استقبال الملاحظات، وكيفية إدارة الخلافات وتسويتها. فالقائد يتميز بمرونته في التعامل مع مرؤوسيه وتحفيزهم على الإبداع والابتكار، بينما يركز المدير بالدرجة الأولى على الصرامة في تنفيذ التعليمات، والالتزام الحرفي بالأنظمة والقوانين، والإشراف المباشر والرقابة اللصيقة على سير العمل.
لتقريب الصورة وتوضيح الفرق بينهما بشكل ملموس، دعونا نتأمل هذا المثال الواقعي: تخيل أن موظفًا تقدم بطلب إجازة لمدة عشرة أيام لظروف طارئة، كيف سيكون رد فعل كل من المدير والقائد في حال رفض الطلب؟ المدير، بحكم منصبه، يعتمد على الأنظمة واللوائح في تقييم الطلب. وقد يستخدم عبارات رسمية وجافة تشدد على ضرورة الالتزام بسير العمل وفق الخطة المعتمدة. وقد يرد باقتضاب وبلهجة آمرة قائلًا: لا يمكننا منح إجازة بهذه المدة في هذا التوقيت الحساس. أما القائد، في المقابل، فيبدأ بتقديم الشكر للموظف على تفانيه في العمل، ويُظهر تقديره لظروفه الصعبة. ثم يبادر بطرح بدائل أو حلول وسطى، مثل اقتراح فترة إجازة أقصر أو توزيع المهام على الزملاء. ثم يستخدم عبارات لطيفة تعكس الاحترام والتفهم، ويشرح أسباب الرفض إن لزم الأمر بأسلوب مهذب ومقنع. وبالعودة إلى المثال الذي استهللنا به هذا المقال، أذكر أنني تقدمت بطلب إلى ذلك القائد القدير، وغادرت مكتبه وأنا راض ومبتسم، رغم أنه لم يوافق على طلبي! فأسلوبه الراقي وقدرته على التواصل الفعال أحدثا فرقًا كبيرًا.
وهنا قد يتبادر إلى أذهان القراء الأعزاء سؤال مهم: كيف يمكننا، كأفراد، التمييز بين مَن يتعامل بأسلوب القيادة ومَن يتعامل بأسلوب الإدارة؟ الجواب بسيط: إذا لاحظت أن موظفي هذا الشخص يتعاملون معه بناءً على سلطته الرسمية فقط، وأن المحرك الأساسي لهم هو الخوف من العقاب أو التوبيخ، فهذا الشخص غالبًا ما يمارس أسلوب الإدارة التقليدية الذي يعتمد على الترهيب والتخويف. أما إذا رأيت الموظفين يبذلون جهدًا مضاعفًا ويُظهرون إخلاصًا نادرًا وولاءً عميقًا لهذا القائد ولمؤسستهم ككل، فهذا دليل قاطع على أنهم يعملون تحت قيادة قائد ملهم ومؤثر يزرع فيهم الحماس والتفاني. ودعونا نتناول مثالًا واقعيًا آخر: تعاملتُ مع عدد من أعضاء هيئة التدريس في قسم علمي بإحدى الجامعات، ولاحظتُ فيهم فتورًا واضحًا وعزوفًا عن بذل الجهد الإضافي، وقلة اكتراث بدقة وجودة الأداء. وبعد فترة وجيزة، تعاملتُ مع المجموعة نفسها من الأساتذة، ففوجئت بهم يتحلون بالنشاط والحماس والإخلاص والتفاني في العمل. وبعد البحث والتحري، تبيّن أنه كانت لديهم رئيسة قسم سابقة تعتمد أسلوب التهديد والصرامة المفرطة في تعاملاتها، بينما يعتمد الرئيس الحالي أسلوبًا قوامه الاحترام المتبادل والتفهم العميق واللطف في إدارة شؤون القسم. نلاحظ هنا أن أهداف القسم العلمي لم تتغير قيد أنملة، والأنظمة الإدارية بقيت على حالها دون تعديل، بل وحتى الأشخاص أنفسهم لم يتبدلوا، لكن الذي تغيّر فقط هو مديرهم وقائدهم.
أخيرًا، هناك نقطة بالغة الأهمية أود توضيحها وتأكيدها: لا أدعي البتة أن أسلوب القيادة أفضل مطلقًا من أسلوب الإدارة أو العكس؛ ولا أدعو إلى الاعتماد على أسلوب واحد لإدارة الوحدة الإدارية بشكل دائم، بل أرى أن الموظفين يحتاجون إلى كلا الأسلوبين معًا، فهم بحاجة إلى الإدارة المحكمة لضبط العمل وتنظيمه وتحديد مساراته، وإلى القيادة الرشيدة لتحفيزهم وإلهامهم وشحذ هممهم. فكلاهما يكمل الآخر، وكلاهما ضروري لتحقيق الأهداف المنشودة للمؤسسة. فالقيادة هي التي تصنع التميز والريادة، والإدارة هي التي تحافظ على الاستقرار والانتظام. فلنعمل معًا لكي نتمكن من تحقيق رؤية وطن طموحة وبناء مستقبل زاهر ومزدهر للأجيال القادمة.